top of page

حكايتي مع تراث حضارات الهلال الخصيب باختصار

اطلعت من خلال منهاج التعليم المدرسي في الصف الخامس الابتدائي في عمر العشر سنوات أو عشر سنوات ونيّف (بالمناسبة تعتبر كلمة نيف Nîv كلمة عربية فصيحة رغم أصلها الكردي ) على تاريخ الحضارات التي تعاقبت على منطقة بلاد الشام وما بين النهرين باختصار شديد (بالكاد خمسة سطورعن كل حضارة): السومريون، البابليون، الكلدانيون، الأكاديون، الفينيقيون، العبرانيون، الأنباط، التدمريون، الحثيون، الخ ومن الصف السادس وهلم جراً أطلعنا المنهاج المدرسي بإسهاب على تاريخ الاسلام والإمبراطورية الاسلامية والدويلات الاسلامية التي لم تنتج حضارة بل منعت فيها الفنون ونكل بالعلماء والفنانين بطريقة لا تصدر إلا عن ذي عقدة نقص هائلة. بالنسبة لتعليم القرآن في مدارس سوريا التي تشوه مفهوم العلمانية بادعائها تبنيها "العلمانية" فيتم تعليمه قبل التاريخ من الصف الثالث الابتدائي ويفرض على الجميع لدرجة أن ملحداً سورياً قادرٌعلى مناقشة بعض القضايا القرآنية ولكنه يكاد لا يعرف شيئاً عن التاريخ الحقيقي لبلده. إن الجهل بتاريخ المنطقة ولغاتها وغياب دراسات أكاديمية تتناول لغات المنطقة بالدراسة استناداً إلى علم اللغة الحديث ولاسيما علم اللغة المقارن وعلم اللغة التاريخي الخ في ظل طغيان قواعد سيبويه الفارسي التي تعود للقرن الثامن الميلادي على قسم اللغة العربية (المفروضة على السوريين باختلاف لغاتهم الأم) في جامعات سوريا هو ما جعل مدرسي اللغة العربية يطربون أيما طرب عندما كنا نستخدم في مواضيع التعبير عبارات من قبيل " خمسون ونيّف" بدلاً من "خمسون ونصف" ظناً منهم أن كلمة نيف غارقة في الفصاحة فمعيارهم في الفصاحة هو غرابة اللفظ وابتعاده عن التدوال وأحياناً صعوبة لفظه فضلاً عن وروده في النصوص الإسلامية ولو كان أصل كاتبها من بخارى أو شيراز في بلاد فارس. زادت هذه الأسباب من شكي في قدرة اللغة العربية القياسية المعاصرة المثقلة بالمفاهيم الإسلامية الحديثة نسبياً والمفردات الهندو آرية ولاسيما القادمة من الفارسية على الوصول إلى روح هذه الحضارات !على أي حال عاودت الاطلاع على حضارات المنطقة من خلال مؤلفات الباحث فراس السواح بالعربية القياسية المعاصرة وأذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: لغز عشتار وأصل الدين والأسطورة، الرحمن والشيطان، الأسطورة والمعنى، ومغامرة العقل الاولى وهي كتب قيمة ومهمة وبعيدة عن الأدلجة ولكنها لم تطفئ توقي لسبر ذلك الإرث الحضاري المذهل فعدت للإطلاع على المنتج المعرفي والفني والأدبي لهذه الحضارات بالإنكليزية والفرنسية بعد تعلمهما وهي القراءات الأكثر تأثيراً بي والتي ولدت لدي الرغبة في تعلم اللغات القديمة كالأكادية والعبرية القديمة والأوغاريتية على أمل قراءة هذا الإرث الحضاري المذهل باللغات التي أنتجته ومن دون أي مترجم أو وسيط!

رامي الابراهيم ©


57 views0 comments
bottom of page